فصل: تفسير الآيات (64- 68):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (59):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرائيلَ} [59].
{كَذَلِكَ} إشارة إلى مصدر، أي: مثل ذلك الإخراج أخرجناهم، فهو في محل نصب صفة لمصدر مقدر، أو هو خبر محذوف، أي: كذلك.
قال الشهاب: وإذا قدر الأمر كذلك فالمراد تقريره وتحقيقه، والجملة معترضة حينئذ كالتي بعدها {وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرائيلَ}. قال الشهاب: هو استعارة، أي: ملكناها لهم تمليك الإرث بعد زمان. وكأن العاقبة، لما كانت لهم، صاروا كأنهم ملكوها حين خروج أربابها منها.

.تفسير الآية رقم (60):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} [60].
{فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} أي: لحقوهم وقت شروق الشمس.

.تفسير الآيات (61- 63):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [61- 63].
{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} أي: تقاربا رأى واحد منهما الآخر: {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} أي: لملحقون: {قَالَ كَلَّا} أي: لن يدركوكم فإن الله وعدكم بالخلاص منهم: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} أي: لطريق النجاة منهم {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} أي: فضربه فانفلق: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} أي: كل جزء متفرق منه كالجبل الكبير.

.تفسير الآيات (64- 68):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [64- 68].
{وَأَزْلَفْنَا} أي: قرّبنا: {ثَمَّ} أي: حيث انفلق البحر: {الْآخَرِينَ} يعني فرعون، أي: قدمناهم إلى البحر حتى دخلوا على أثر بني إسرائيل: {وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ} أي: بحفظ البحر على تلك الهيئة إلى أن عبروا {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} أي: بإطباقه عليهم: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} أي: لعبرة: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} أي: مع مشاهدة هذه الآية العظمى التي توجب تصديقه بعدها في كل ما جاء به. منهم من بقي على كفره كبقية القبط. ومنهم من عصاه واقترح عليه ما اقترح كبعض بني إسرائيل. وفيه تسلية للنبيّ صلوات الله عليه. ووعد له ووعيد لمن عصاه.

.تفسير الآيات (69- 74):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [69- 74].
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} أي: على مشركي العرب: {نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ} أي: ما الذي تدعونه وتلجئون إليه. وكان عليه السلام يعلم أنهم عَبْدة أصنام، ولكنه سألهم ليريهم، أن ما يعبدونه ليس من استحقاق العبادة في شيء: {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} أي: مقيمين على عبادتها لا نتخطاها إلى غيرها {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} أي: مثل عبادتنا، فقلدناهم.
قال أبو السعود: اعترفوا بأنها بمعزل مما ذكر من السمع والمنفعة والمضرّة بالمرة. واضطروا إلى إظهار أن لا سند لهم سوى التقليد.

.تفسير الآيات (75- 81):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [75- 81].
{قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} أي: أفأبصرتم، أو أتأملتم فعلمتم ما كنتم تعبدونه وسلفكم. فإنهم بغضائي: {إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} أي: لكن رب العالمين ليس كذلك، فإنه وليِّ في الدنيا والآخرة، لا أعبد غيره ثم برهن على موجب قصر عبادته عليه تعالى بقوله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} أي: إلى كل ما يهمني من أمور الدين والدنيا، فإنه تعالى وحده يهدي كلاً لم خلق له. والموصول صفة لرب وجعلُه مبتدأ وما بعده خبراً- غير حقيق بجزالة التنزيل. قاله أبو السعود.
{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} أي: يرزقني بما سخر ويسر من الأسباب السماوية والأرضية، فساق المزن، وأنزل الماء وأحيى به الأرض وأخرج به من كل الثمرات رزقاً للعباد، وأنزل الماء عذباً زلالاً يسقيه مما خلق أنعاماً وأناسيّ كثيراً.
{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} أي: إذا وقعت في مرض فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره بما قدره من الأسباب الموصلة إليه. وإنما نسب المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله تعالى، مع أنهما منه، لمراعاة حسن الأدب معه تعالى. بتخصيصه بنسبة الشفاء الذي هو نعمة ظاهرة إليه تعالى كما قال الخضر: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: 79]، وقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [الكهف: 82]، وكقول الجن في آيةٍ: {أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} [الجن: 10]، ولأن كثيراً من أسباب المرض يحدث بتفريط من الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك. ومن ثم قالت الحكماء: لو قيل لأكثر الموتى: ما سبب آجالكم؟ لقالوا: التخم.
{وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} فإنه هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، لا يقدر على ذلك أحد سواه. فإن قيل إن الموت قد يكون بتفريط الإنسان، وقد أضافه تعالى إلى نفسه، فما الفرق بين نسبة الموت ونسبة المرض في مقتضى الأدب؟ أجيب كما في الانتصاف: بأن الموت قد علم به بأنه قضاء محتوم من الله تعالى على سائر البشر، وحكم عامٌّ لا يخص، ولا كذلك المرض فكم من معافى منه قد بغته الموت، فالتأسي بعموم الموت لعله يُسقط أثر كونه بلاء، فيسوغ في الأدب نسبته إلى الله تعالى. وأما المرض، فلما كان مما يخص به بعض البشر دون بعض، كان بلاء محققاً. فاقتضى العلوّ في الأدب مع الله تعالى، أن ينسبه الإنسان إلى نفسه، باعتبار ذلك السبب الذي لا يخلو منه. ويؤيد ذلك أن كل ما ذكره مع المرض، أخبر عن وقوعه بتاً وجزماً، لأنه أمر لابد منه. وأما المرض، فلما يتفق وقد لا، أورده مقروناً بشرط إذا فقال: {وَإِذَا مَرِضْتُ} وكان ممكناً أن يقول والذي يمرضني فيشفيني، كما في غيره فما عدل عن المطابقة المجانسة المأثورة، إلا لذلك. انتهى.
قال أبو السعود: وأما الإماتة، فحيث كانت من معظم خصائصه تعالى كالإحياء، بدءاً وإعادة، وقد نيطت أمور الآخرة جميعاً بها وبما بعدها من البعث نظمها في سمط واحد في قوله تعالى: {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} على أن الموت، لكونه ذريعة إلى نيله عليه الصلاة والسلام للحياة الأبدية، بمعزل من أن يكون غير مطموع عنده عليه الصلاة والسلام.

.تفسير الآية رقم (82):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [82].
{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} أي: الجزاء. وخطيئته ما كان يراها هو صلوات الله عليه ويعدّها بالنسبة لمقامه الكريم.
قال أبو السعود: ذكره عليه الصلاة والسلام هضماً لنفسه وتعليماً للأمة أن يجتنبوا المعاصي ويكونوا على حذر وطلب مغفرة لما يفرط منهم وتلافياً لما عسى يندر منه عليه السلام من الصغائر، وتنبيهاً لأبيه وقومه على أن يتأملوا في أمرهم فيقفوا على أنهم من سوء الحال في درجة لا يقادر قدرها، فإن حاله عليه السلام، مع كونه في طاعة الله تعالى وعبادته، في الغاية القاصية، حيث كانت بتلك المثابة. فما ظنك بحال أولئك المغمورين في الكفر، وفنون المعاصي والخطايا؟.
وتعليق مغفرة الخطيئة بيوم الدين، مع أنها إنما تغفر في الدنيا، لأن أثرها يومئذ يتبيّن، ولأن في ذلك تهويلاً له وإشارة إلى وقوع الجزاء فيه، إن لم تغفر، وبعد أن ذكر عنايته تعالى به من مبدأ خلقه إلى بعثه، حمله ذلك على مناجاته، فقال:

.تفسير الآيات (83- 84):

القول في تأويل قوله تعالى: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [83- 84].
{رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً} أي: حكمة، أو حكماً بين الناس بالحق، أو نبوة، لأن النبيّ ذو حكم وحكمة {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} أي: وفقني لأنتظم في سلكهم، لأكون من الذين جعلتهم سبباً لصلاح العالم وكمال الخلق {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} أي ذكراً جميلاً بعدي، أذكر به ويُقْتدى بي في الخير كما قال تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 108- 110].
قال القتيبيّ: وضع اللسان موضع القول على الاستعارة، لأن القول يكون به، وقد تكني العرب به عن الكلمة. وعليها حمل قول الأعشى:
إِنِّي أَتَتْنِي لسانٌ لا أُسَرُّ بها ** من عُلْو لا عَجَبٌ منها ولا سَخَرُ

وجوّز أن يكون المعنى: واجعل لي صادقاً من ذريتي، يجدّد أصل ديني ويدعو الناس إلى ما كنت أدعوهم إليه من التوحيد. وهو النبيّ صلى الله عليه وسلم. ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «أنا دعوة أبي إبراهيم»، فالكلام بتقدير مضاف. أي: صاحب لسان صدق. أو مجاز بإطلاق الجزء على الكل، لأن الدعوة باللسان.

.تفسير الآيات (85- 86):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} [85- 86].
{وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ وَاغْفِرْ لِأَبِي} أي: بهدايته وتوفيقه للإيمان. كما يلوح به تعليله بقوله: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} أي: طريق الحق.
قال الحافظ ابن كثير. قوله: {وَاغْفِرْ لِأَبِي} الخ.. كقوله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [إبراهيم: 41]، وهذا مما رجع عنه إبراهيم عليه السلام كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: 114]، إلى قوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} وقد قطع تعالى الإلحاق في استغفاره لأبيه، فقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الممتحنة: 4]، إلى قوله: {وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}.

.تفسير الآيات (87- 89):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [87- 89].
{وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} أي: لا تلحق بي ذلّاً وهواناً يومئذ: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي لا يقي المرء من عذاب الله ماله ولو افتدى بملء الأرض ذهباً. ولا بنوه، وإن كانوا غاية في القوة. فإن الأمر ثمة ليس كما يعهدون في الدنيا، بل لا ينفع إلا الموافاة بقلب سُلَيم من مرض الكفر والنفاق والخصال المذمومة والملكات المشؤومة.
قال الزمخشريّ: وما أحسن ما رتب إبراهيم عليه السلام كلامه مع المشركين حين سألهم أولاً عما يعبدون سؤال مقرر لا مستفهم. ثم أنحى على آلهتهم فأبطل أمرها بأنها لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع. وعلى تقليدهم آباءهم الأقدمين، فكسره وأخرجه من أن يكون شبهة، فضلاً أن يكون حجة. ثم صور المسألة في نفسه دونهم حتى تخلص منها إلى ذكر الله عزَّ وعلا، فعظم شأنه وعدد نعمته من لدن خلقه وإنشائه، إلى حين وفاته، مع ما يرجى في الآخرة من رحمته. ثم أتبع ذلك أن دعاه بدعوات المخلصين، وابتهل إليه ابتهال الأوّابين. ثم وصله بذكر يوم القيامة، وثواب الله وعقابه، وما يدفع إليه المشركون يومئذ من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال، وتمني الكرة إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا.
ثم بين سبحانه أن الجنة تكون قريبة من موقف السعداء، ينظرون إليها ويغتبطون بأنهم المحشورون إليها. والنار تكون بارزة مكشوفة للأشقياء بمرأى منهم، يتحسرون على أنهم المسوقون إليها.

.تفسير الآيات (90- 94):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} [90- 94].
{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} أي: الضالّين عن طريق الحق الذي هو الإيمان والتقوى. وإيثار صيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع وتقرره {وَقِيلَ لَهُمْ} توبيخاً على شركهم: {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ} أي: يدفعون العذاب عنكم، أو يدفعونه عن أنفسهم، لأنهم وآلهتهم وقود النار. وهو قوله تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ} أي: الآلهة: {وَالْغَاوُونَ} أي: وعبدتهم الذين برزت لهم الجحيم.
قال الزمخشري: والكبكبة تكرير الكب- وهو الإلقاء على الوجه- جعل التكرير في اللفظ على التكرير في المعنى، كأنه إذا ألقي في جهنم ينكب مرة بعد مرة حتى يستقر في قعرها.

.تفسير الآيات (95- 98):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [95- 98].
{وَجُنُودُ إِبْلِيسَ} أي: متبعوه من العصاة: {أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: في العبادة، مع أنكم أعجز مخلوقاته.

.تفسير الآية رقم (99):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} [99].
{وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} أي: رؤساؤهم، كما في آية: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: 67].